الرئيسية ثقافة وفن شذرات من حياة القطب مولانا عبد السلام ابن مشيش

شذرات من حياة القطب مولانا عبد السلام ابن مشيش

يعد علم التصوف من أكبر العلوم حيث سموه: علم العلوم، وقد اختلفوا في حده وتعريفه غير أنهم أجمعوا على فائدته، وهي المذكورة في بيت لابن ذكوان قال فيه: علم به تصفية البواطن من كدرات النفس في المواطن

وقد ذهب الإمام الغزالي إلى فرضيته، إذ يقول:”إنه فرض عين إذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام”. ولهذا السبب اعتنى به علماء الإسلام، فتعددت مشاربه وتنوعت، حيث كان للطرق المنتسبة لهذا العلم عظيم الأثر في حياة الأمة وتربيتها، وتهذيب النفوس وتزكيتها، فكثرة الطرق والأوراد والأحزاب والصلوات، غايتها إيصال الإنسان إلى مرضاة الرحمن، وتزكية النفس من الدنس، وتطهير الأنفاس من الأرجاس، بتعبير القوم.

وقد عد المغرب من البقع المباركة التي اشتهرت بضمها لأولياء وصلحاء على مر الزمان وذلك راجع لعدة عوامل لعل أبرزها تأسيس الدولة في نواتها الأولى على يد المولى إدريس حين وفد من المشرق إلى المغرب بعد ثورة العباسيين واحتضان أهل المغرب له وتكريمه وتعظيمه لنسبه الشريف الضي امتد بعده ليشمل مناطق جمة في البقعة المغربية، وكان من الأعلام الكبار الملحوق نسبهم بالنسب الشريف المولى عبد السلام ابن مشيش دفين جبل العلم الذي بقدر شهرته وذيوع صيته بين العالمين اليوم، بقدر قلة الآثار الواردة عنه ما عدا النص النفيس الذي نالته أقلام كبار في الدرس والتحليل وهو نص الصلاة المشيشية.

عاش المولى عبد السلام ابن مشيش (362هـ -623هـ) في عصر الدولة الموحدية، وقد عاصر عددا من خلفائها، كيعقوب المنصور الضي حكم ما بين (560هـ 580)، والخليفة محمد بن ناصر اليعقوب وبعض الخلفاء الآخرين الذين عاش المولى عبد السلام ابن مشيش شذرات من حياته في عصرهم.

نسبه الشريف

من المعلوم أن المنحدرين من نسل النبي المعروفين في المغرب باسم الشرفاء هم أحفاد فاطمة بنت الرسول وعلي صهره وابن عمه، وقد كان من هذه النواة المباركة شرفاء عائلة أجداد ابن مشيش ويعد نسبه من أوثق الأنساب الشريفة في بلاد المغرب، هو “عبد السلام بن مشيش بن أبي بكر بن علي بن حرمة بين عيسى بن مزوار بن علي بن حيدرة بن محمد بن إدريس بن عبد الله المهدي بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت خاتم الأنبياء والمرسلين”.

قال عنه ابن زاكور ” إن لفظ مشيش مشتق من مش بمعنى مسح اليدين فيكون مشيش بهذا المعنى هو الذي يمسح بالبركة والفأل الحسن”.

وقد بلغت شهرة الولي الصالح اليوم جميع أرجاء الكون وأصبح له مريدون وأتباع من مختلف الجنسيات ويعد نهجه الممثل الحسن لنموذج الخطاب الصوفي السني المعتدل، وعلى الرغم من ندرة النصوص المؤرخة لتلك الحقبة استطاع كبار المؤرخين على مختلف العصور إنجاز تراجم متنوعة على حياة الولي الصالح دفين جبل العلم بإقليم العرائش، وعدت كرامته الكبرى بالإضافة إلى نصه النفيس في الخطاب والأدب الصوفي، تلميذه الأوحد أبي الحسن الشاذلي الذي يقول عنه دارسوا الأنساب والتراجم الصوفية لولا المولى عبد السلام ابن مشيش لما عرف الإمام الشاذلي، ولولا الشاذلي لم عرف ابن مشيش.

ومن أبرز رجال التصوف الذين عاصرهم المولى عبد السلام في مختلف مراحل حياته،
الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي الحاتمي (ت 657هـ)، و العارف أبا يعزى ينور ( ت 372هـ )ومولاي علي بوغالب ( ت 375هـ) ،و العارف عبد الحليم المراسي الشهير بالغماد ( ت 315هـ )والعارف يوسف بن علي المبتلى ( 315ت هـ ) ،و العارف أبا مدين شعيب ( ت 311هـ) و العارف أبا العباس السبتي ( ت 659هـ ) و العارف أبا محمد صالح ( ت 659هـ ) و غيرهم كثير.

تلقى المولى عبد السلام ابن مشيش تعليما تقليديا على السائد في عصره آنذاك بالقرى والجبال من حفظ للقرآن وعلوم الشريعة والمتن الفقهية، وظهرت له علامات وكشوفات تدل على أن همته همة الأعلام المتصوفة بحسب جميع روايات المدونات التاريخية التي اهتمت بدراسة حيلة المولى عبد السلام ابن مشيش وتتبع مراحل نشأته وتكوينه، وقد أنجزت حول هذه المحطات رسائل وبحوث أكاديمية تنقب في سيرة الرجل وتذكر مآثره، وفتوحاته الروحية التي لا زالت إلى يومنا هذا محط إجماع عند مريدي ومحبي القطب المولى عبد السلام ابن مشيش، خاصة وأنه الشخصية الوحيدة التي حظيت باحترام ومحبة جميع الخلائق عامة الناس وخاصتهم.

ولا زال الناس إلى يومنا هذا يتوافدون عند كل مناسبة أو في الأيام العادية يتوافدون للزيارة والتبرك بمقام القطب، وفادة يحج إليها العالم والفقيه والأديب والفيلسوف ويحج إليها عامة الخلائق من مختلف أرجاء الكون.

الأكثر قراءة